المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة : من مداخل الشيطان على الإنسان



الياس اسكندر
22-09-2013, 12:40
الخطبة الأولى : من مداخل الشيطان على الإنسان




إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عباد الله! سنتحدث في هذه الخطبة عن بعض وسائل الشيطان وطرائقه ومداخله على الإنسان، كي نتّقي فتنته ونتجنّب إغراءه.

للشيطان وسائل متعددة في إغواء الإنسان، فمن ذلك: تزيين الباطل وإظهاره بصورة حسنة، قال الله عز وجل عن الشيطان أنه قال: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39].قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومن مكائده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء حتى يخيل إليه أنه يضره، فلا إله إلا الله! كم فتن بهذا السحر من إنسان! وكم حال به بين القلب وبين الإسلام! وكم زين الباطل وأبرزه في صورة مستحسنه، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة!‏ ".
ومن مكائد الشيطان الرجيمتسمية المعاصي بغير اسمها
وبأسماء محببة للنفوس، قال الله عز وجل عنه أنه قال لآدم عليه السلام: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) [طه:120].وقد ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحب النفوس مسمياتها، فسموا الخمر بأم الأفراح، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، ولا يزال الشيطان يوحي إلى أوليائه تسمية الأمور المحرمة بغير مسمياتها، ففي وقتنا الحاضر يسمى الربا بالفائدة، ويسمى التبرج الفاضح بحرية المرأة، ويسمون الاختلاط المستهتر بالتقدم، ويسمون المغنية الفاسقة بالفنانة والشهيرة.


ومن وسائل الإضلال: تسمية الطاعات بأسماء منفّرة، ووصف أهل الخير بصفات مشينة، وقديماً أوحى الشيطان إلى أوليائه من قوم عاد أن يقولوا لنبيهم هود عليه السلام: (إنا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [الأعراف:66]، وأوحى إلى كفار مدين أن يقولوا لشعيب عليه السلام: (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) [الأعراف:90]، ووصف فرعون موسى وهارون عليهما السلام بالسحر: (إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) [طه:63]، ولم يسلم النبي صلى الله عليه وسلم من التسميات المنفرة، (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) [الفرقان:8].

كما أنّ من وسائله في الإضلال: التدرج في الإضلال، إذ لا يأتي الشيطان للإنسان مباشرة، ويقول له: افعل هذه المعصية، أو اترك هذه الطاعة، بل يأتيه خطوة خطوة حتى يقع في المحظور ويترك الواجب المشروع، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21].والحازم الموفّق من يكتشف خطوات الشيطان، ويغلق منافذه من أول الطريق، والشيطان في إغوائه يظهر بمظهر الناصح الأمين للإنسان، (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:21]، ((فدلاهما بغرور))، ولهذا حذرنا الله عز وجل من فتنته: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ )[الأعراف:27].وإذا شعر الشيطان أن الإنسان سيفوّت عليه، وينتصر عليه، عمد إلى شياطين الإنس يستنجد بهم، ويستعينهم ليعينوه، قال الله عز وجل: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام:121].قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: " إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعصية عياناً."


عباد الله ،إذا عرفنا شيئاً من وسائله، فهذا شيء من مداخله، ومن أكبر مداخل الشيطان على الإنسان: الجهل، والغضب، وحب الدنيا، وطول الأمل، والبخل، والكبر، والرياء، والعجب، والجزع، والهلع، واتباع الهوى، وسوء الظن، واحتقار المسلم واحتقار الذنوب، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمته.
أما الجهل فباب عظيم للانحراف عن صراط الله المستقيم، ومدخل واسع من مداخل الشيطان، كيف لا؟ والجاهل يفعل الشر وهو يظنه خيراً، وينأى بنفسه عن الخير ويحسب أنه محسناً، وقد قيل:وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وأما الغضب فداء عضال، ومدخل عظيم من مداخل الشيطان، ومن خلاله يتلاعب الشيطان بالإنسان كالكرة في يد الغلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يوصيه فقال: (لا تغضب)، فردد الرجل مراراً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تغضب)، زاد أحمد في رواية: قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. إن الغضب مادة الشيطان تجرئه على فعل القبيح وتجاوز الحدود، وكم حصل بسببه من سفك للدماء، وتفريق للأسر، وإتلاف للأموال، ولو سكن غضبه لانتقد تصرفه، ولما أقدم على ما أقدم عليه. فدواؤه تسكينه بالاستعاذة بالله من الشيطان، كما جاء في القرآن، وفي صحيح السنة: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما واحمر وجهه وانتفخت أوداجه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، رواه البخاري و مسلم.قال العلماء: على الغضبان أن يغير حالته التي هو فيها، فإن كان واقفاً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وقد جاء في حديث أبي ذر وإن كان في إسناده شيء: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع), والواقع شاهد بذلك.وأيضاً عليه أن يتوضأ، فالغضب جمرة يطفئها ماء الوضوء بإذن الله عز وجل.
ومن مداخل الشيطان على الإنسان حب الدنيا، وقد جاء عن الحسن رحمه الله:" حب الدنيا رأس كل خطيئة"، وأبلغ من ذلك وأجل قوله سبحانه: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185]، وفي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)

ومن مداخل الشيطان على الإنسان الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وأين المتكبرون من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه مسلم .

ومن مداخل الشيطان أيضاً: اتباع الهوى، فاتباع الهوى مدخل عظيم من مداخل الشيطان، وطريق للعقوبة والضلال، قال الله عز وجل: (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26].قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله عز وجل هوى في القرآن إلا ذمه. وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:" أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق".

ومن مداخل الشيطان: الأمن من مكر الله، أو القنوط من رحمة الله، فكلاهما مدخل للشيطان، فالأمن من مكر الله يورث الغفلة، والغفلة تورث التهاون، والتهاون سلم الشيطان وسبب الخسران،( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )[الأعراف:99]، ومكر الله استدراجه بالنعمة والصحة، وإذا لم يستطع الشيطان أن يدخل من باب الأمن من مكر الله، شدّد عليه الأمر حتى ييأس ويقنط من رحمة الله والحق سبحانه وتعالى يقول في المفصّل :( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. أخي في الله ، إذا أردت السلامة من كيد الشيطان فلا تأمن من مكر الله، ولا تسرف على نفسك بالمعاصي، ولا تقنط من رحمة الله، وتب إليه واستغفره، وأحسن الظن بالله عز وجل، فإذا فعلت شيئاً من العبادات فأحسن الظن بالله أن الله يقبل منك ويثيبك، وإذا فعلت شيئاً من المعاصي فأحسن الظن بالله عز وجل أن الله يعاقبك إذا لم تتب، وفي الحديث القدسي أن الله عز وجل قال: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وحسنه.


نسأل المولى العزيز الحكيم أن يرحم ضعفنا ويقوّي ديننا ، كما نسأله عزّ وجلّ العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .