المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كفى همــــــــاً ... كفى غمـــــــــــاً ( 2 ) ( خطبة الجمعة القادمة 1434/2/1)



محمدالمهوس
13-12-2012, 20:45
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد : أيها الناس : أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصية الله لعباده أجمعين ، الأولين والآخرين ، يقول سبحانه : )) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ((
أيها الناس : في الجمعة التي مضت تكلمنا عن الأسباب التي تعين على انشراح الصدر، وتنقله من تلك الغشاوة التي أظلمت عليه، إلى حالة يشعر فيها بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية ،وذكرنا واحد من أهم أسباب انشراح الصدر ألا وهو الإيمان بالله المقرون بالعمل الصالح ، وفي هذه الجمعة نواصل الكلام عن الأسباب المعينة على انشراح الصدر فنقول وبالله التوفيق ......
إن من أعظم الأسباب لشرح الصدر وطرد الغم والهم ؛ بل هو أجل الأسباب وأكبرها: قوة التوحيد وتفويض الأمر إلى الله تعالى، بأن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب، أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، عدل في قضائه، يعطي من يشاء بفضله ويمنع عمن يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جَنّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين أ.هـ .
ومن أسباب انشراح الصدر : حسن الظن بالله تعالى، وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى في الحديث القدسي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ " والحديث صححه الألباني رحمه الله .
ومن أسباب انشراح الصدر: كثرة الدعاء والإلحاح والتضرع على الله بذلك، فيا من ضاق صدره وتكدر أمره، ارفع أكف الضراعة إلى مولاك، وبث شكواك وحزنك إليه، واذرف الدمع بين يديه، واعلم رعاك الله تعالى: أن الله تعالى أرحم بك من أمك وأبيك وصاحبتك وبنيك ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي سبيٌ، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذْ وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم )) أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ ، قُلْنَا : لا وَاللَّهِ ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا (( [متفق عليه]
ومن أسباب انشراح الصدر: المبادرة إلى ترك المعاصي والإقبال على طاعة الله فالهموم و الغموم والأحزان والضيق : عقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة لأهل المعاصي (( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)) (( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
فالمعاصي وما أدراك ما المعاصي سمٌّ يسري في الأبدان فيهلكها، وفي البلدان فيفسدها، لها أضرارًا عظيمة، وعواقب وخيمة، يكفي أنها سبب لهوان العبد على ربه، عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص فرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، فقال: ((ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى))وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك . قال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
المعاصي وما أدراك ما المعاصي تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له.. فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله والإنابة إليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فإن دعا أو ذكر فبقلب غافل ساهٍ، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة لم تنقد له ولم تطاوعه، قال صلى الله عليه وسلم:
))كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى(( بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله
وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد عباد الله :
ومن أسباب دفع الهم والغم : ذكر الله تعالى وأن أعظم ذكرٍ هو قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً، وهذا من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة القلوب، وانشراحاً في الصدور ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))
فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى ما أقبل على ربه بصدق؛ فتح الله عليه من عظيم بركاته (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )) (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً)) فاتقوا الله عباد الله ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ، واتقون يا أولي الألباب ، وصلوا على من أنزل عليه الكتاب  إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا
وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين اللهم أعِزّ الإسلامَ وانْصر المسلمين ، وأذِلّ الشّركَ والْمُشْرِكينَ ، وَدَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدّين .اللهم آمنّا في أوطانِنا ، وأَصْلح أئمتَنا وولاةَ أُمُورِنا وأجْعَلْ وِلايَتَنا يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ عباد الله :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  فاذكرو الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

سالم الظفيري
31-12-2012, 12:33
جزاك الله خير وبارك في عملك