المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( جريمة الرشوة )) خطبة جمعة الغد 18 محرم 1432هـ



محمدالمهوس
23-12-2010, 23:25
هديتي لكم أحبتي هذه الخطبة
وهي بعنوان
(( جريمة الرشوة ))


فلا تنسوني من الدعاء


فإن بكل دعوة منكم لكم بمثلها



تمثلوا قول القائل :


ما دعوة أنفع يا صاحبي .... من دعوة الغائب للغائب



ناشدتك الرحمن يا قارئاً .... أن تسأل الغفران للكاتب



وفقكم الله
دمتم بخير


بسم الله الرحمن الرحيم


الخطبة الأولى
عباد الله / في خطبة مضت تكلّمنا عن أكل أموال الناس بالباطل وذكرنا بأن أكل المال بالباطل ، ذنبٌ عظيم ، وجريمة خطيرة ، تهدد الفرد والمجتمع ، بل الأمةَ بأسرها وذكرنا أن هذه القضية الخطيرة ، والجريمة الكبيرة ، انتشرت في المجتمع انتشاراً عظيماً ، فصارت أموالُ الناس تُؤكل بالباطل ، ليس عن طريق المحاكم ، إنما عن طريق الكذب والمكر والاحتيال ، وعن طريق النصب والسلب والسرقة ، وعن طريق الغش والخديعة والتزوير ...
وفي هذه الخطبة – عباد الله - نتكلم عن طريقةٍ من الطرق الملتوية الذي يُؤكل بها أموال بعض المسلمين ؛طريقةٍ خبيثة وجريمة شنيعة سارت وطار سعارُها، واشتد أوارُ نارِها، تعس مقترفوها، ولُعن فاعلوها، فمرتكبوها شياطينٌ بؤساء، لم يؤمنوا بيوم الدين، ولم يصدقوا المرسلين، يصلي وهو ملعون، يقرأ القرآن وهو ملعون، يضحك وهو ملعون، لعْنه جاء في الشريعة، الخِسّةُ والدناءة صَريعُه، والجشع والفقر ضجيعه.
استحوذ عليه إبليس والرجس والإثم والهوى ، أغلق دونه بابُ السماء، يدعو ربه ولا يستجاب له، وتلعنه ملائكةُ الرب ؛ إنه وأمثاله قتلةُ الأحلام وسُرّاق الحقوق وبائعو الذمم وآكلوا السحت.
أتدرون من هؤلاء ولا كرامة لهم؟! إنهم أكلةُ الرشوة ودافعوها وكاتبوها وشاهدوها ـ يقول اللهُ تعالى : ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)) قال ابن مسعود – رضي الله عنه - (السّحت الرشوة)، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - (رشوة الحاكم من السحت). وقال بعض أهل العلم: من السحت أن يأكل الرجل بجاهه؛ وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها، ولا خلاف بين السلف على أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سُحت حرام.
وقال تعالى: ((وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) قال الذهبي رحمه الله تعالى: "لا تُدلوا بأموالكم إلى الحكام أي: لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم؛ ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أن ذلك لا يحل لكم".
عباد الله / الذين يأكلونَ الرشوة َوهم يعلمون حرمتها فليس لنا حديث معهم؛ لأنهم اتخذوا آياتِ الله هزوا، ولن يجديَ حديثُنا معهم ولكن حديثنا إلى الذين يفعلون وهم غافلون عن هذه الجريمة البشعة ، فنقرعُ أسماعَهم لعلهم يَعُون ، لعلّهم يتذكرون ، لعلّهم يتوبون فنقول : من يدفع الرشوةَ للوصول إلى أهدافه ومصالحه على حساب المجتمع، فإنه ملعون على لسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه - قال: لَعَنَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاشِي والْمُرتشي. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. وفي رواية: ولعن الرّائش، وهو السّاعي بينهما ، وأما الوسطاء كمن يهيئ الأجساد لنشر هذا السرطان الخبيث في مجتمع الإسلام فهم ملعونون أيضا، كمن يشهد أو يكتب بين الدفع والأخذ.
فواأسفاه على من باع أخراه بفاني دنياه ، يقول أبو حميد الساعدي – رضي الله عنه - قال: استعمل النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على الصدقة ، فلما قدِم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ((أما بعد: فإني استعملُ رجالاً منكم على أمورٍ مِمّا ولاني الله، فيأتي أحدُكم فيقولُ: هذا لكم وهذا هديةٌ أُهْديت لي، فهلا ّجلس في بيتِ أبيه أو بيت أمّه فينْظرُ أيُهدَى له أمْ لا؟! والّذي نفْسي بيدِه لا يأخذ أحدٌ منه شيئاً إلا جاء به يومَ القيامة يحملُه على رقبته، إن كان بعيراً له رُغاء، أو بقراً له خُوار، أو شاةً تَيْعَر))، ثم رفع يديه حتى رأينا بياضَ إبطيه، ثم قال: ((اللّهم هَلْ بَلّغت، اللّهم هَلْ بَلّغت)) متفق عليه.
أيها المسلمون / لقد أجمع الصحابة والتابعون وعلماء الأمة على تحريم الرشوة بجميع صورها، كما أن الأعذار لمن يحتج بفتوى بعضِ أهل العلم من المحققين ويجعلها مُتّكأً لأكلهِ الرشوة وأن هذه الفتوى صحيحةً وقد بُنِيت على أسس علمية، لكنّها مختصة في حالة واحدة أوضحها في كلمات قليلة حتى لا تُنسى: "يجوز دفع الرشوة من الدافع وذلك في حالة الضرورة الشرعية التي يقدرها أهل العلم عند الرجوع إليهم، ولا تجوز مطلقا للأخذ". هكذا قال أهل العلم.
وممن قال بجوازها عند الضرورة ابن الأثير رحمه الله حيث يقول في كتابه النهاية (2/226): "فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه... وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم". وقال الخطابي رحمه الله في المعالم (5/207): "إذا أَعطى لِيَتوصّل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلمًا فإنه غير داخل في هذا الوعيد". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (31/187): "ويجوز لِلْمُهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه، هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار. وهذا من دقائق فقه السلف وعظيم علمهم، فهذا الباب فيه حاجة من جهة، وصعوبة الاجتناب من جهة أخرى، فاستدعى النظر تجويز ذلك مراعاة لمصالح العباد ودفع الضرر عنهم، والصبر في مثل هذه المسائل فيه خير كثير وفضل عظيم".
والظاهر من الأدلة الصريحة أنّ الرشوة حرام بجميع ضروبها وأشكالها وألوانها إذا كان يتوصل بها إلى إبطال حق أو إقرار ظلم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد والأضرار، وهذا حرام شرعًا.
عباد الله / وعند دفع الرشوة لِلضرورة لا بد من ملاحظة أمور:
أولاً: أن لا يدفعها إلا إذا كانت في حالة ضرورة متحققة يقدرها أهل العلم.
ثانيًا: أن لا تدفع إلا بعد استقصاء كافة السبل واستنفادها، ولا ينبغي عندها إلا أن يدفعها.
ثالثًا: يجب عليه أن يبين لآخذ الرشوة حرمتَها ويعظه ويزجره عن فعلته، ولا يجوز السكوت أبدا.
رابعًا: يسعى سعيا حثيثا إلى تبليغ ولي الأمر عنه، ويكون قصده هو كفّ شره عن الناس لا أن يكون انتقاما لما أخذه منه من شيء.
عباد الله / أضحت ظاهرةُ الرشوة مستشرية في العديد من المجالات، لتصبح سرطاناً ينخر دواليب الاقتصاد والإدارة ومختلف الهيئات والمؤسسات، وقد تأخذ الرشوة أشكالاً ووجوهًا عدة، كلها على صورة إبليس، يجمعها أكل أموال الناس بالباطل، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالوجاهة، وتارة تكون بتقديم أي نفع كان أو وعد بدفع ضر، ولا تتم هذه الجريمة إلا في الظلام الدامس وفي الخفاء، وقد تكون علناً كما في بعض البلدان التي انتشرت فيها في جميع مناحي الحياة ، وتدخل الرشوة في مجالات شتى؛ فقد تكون الرشوة في الحكم كي يقضي له القاضي أو يحكم له، أو ينهي له عملاً أو يقدمه على غيره، أو يخالف أمرًا لا يمكن تجاوزه من أجل الرشوة. وقد تكون الرشوة في الوظائف أيضًا، حيث يقوم الشخص بدفع الرشوة للمسؤول عن الوظيفة فيعينه رغم استحقاق غيره، وهذا بالإضافة إلى أنه أكلٌ للحرام والسحت فإنه كذلك خيانة للأمانة؛ حيث ينبغي أن يوظف الأصلح والأكفأ، وكذلك تكون الرشوة في التعليم، وفي مجالات البناء والتشييد، أو لدى شركات الكهرباء أو الاتصالات أو البلديات وغيرها من المجالات التي يطول المقامُ بذكرها، واللّبيبُ بالإشارة يفهم.
عباد الله / ولعله من الأجدى أنْ نذكر الفرق بين الرشوة والهدية، وذلك لما يتطلبه المقام من توضيح الأمر وتجليته، فهما وإن اشتبها في الصورة فالفرق راجعٌ أساساً إلى القصد، إذ أنّ القصدَ في الرشوة هو التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل، أما المُهدي فقصده استجلابَ المودة والمعرفة والإحسان.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أدَّخِرها ليوم الدين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الذي أُرْسِلَ رحمةً للعالمين، صلى الله وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً .
أمّا بعد: عباد الله / أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فيا سعادةَ مَن أطاعه، ويا فلاحَ مَن اتَّقَاه.
عباد الله / بالرشوة تُهدَر الحقوق وتعطَّل المصالح، وبها يقدَّم من يستحقّ التأخير، ويؤخَّر من يستحقّ التقديم، وعن طريقها يقدَّم السفيهُ الخامل ويُبعَد المجِدّ العامل، فكم ضيَّعَت من حقّ وأهدَرَت من كرامة ورفَعَت من لئِيمٍ وأهانَت من كريم.
ثم إنَّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبيّ الكريم.
اللّهمّ صلِّ وسلّم وبارك وأنعِم على سيِّدنا وحبيبنا ونبيِّنا محمّد، وارض اللّهمّ
عن الخلفاء الرّاشدين والأئمّة المهديّين: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الآل والصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين...

المشرف العام
24-12-2010, 01:24
جزاك الله كل خير

ونسأل رب العرش العظيم أن يجعلها في ميزان اعمالك يوم تلقاه

خطبة نيّرة .. شملت جميع الجوانب وهذه الشمولية مطلب لجميع الخطباء " جزاهم الله كل خير " أن يتّخذوه سبيلا لمخاطبة عقول الناس في عصرنا هذا


بارك الله فيك


اخوك
ابو سلطان

ابو ضاري
25-12-2010, 12:22
بارك الله فيك شيخنا الفاضل

ونفع بك الامه