المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة ( حمى المال وحمايته ) بتاريخ 30/5/1431 هـ



الشيخ/عبدالله الواكد
14-05-2010, 03:59
خطبة جمهة بعنوان ( حمى المال وحمايته ) بتاريخ يوم غد 30/5/1431هـ
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخطبة الأولى

أيها المسلمون : اتقوا الله ربكم ، واعلموا أن الله أودع في الإنسان جملة من الغرائز، لتقوم الدنيا ، وتستمر الحياة ، ثم إنه سبحانه لم يترك هذه الغرائز لتسير بالإنسان حسب هواه ، بل أرسل رسله وأنزل معهم كتبه وشرع لهم شرعه ليهذب هذه الغرائز ، ويجعلها متزنة غير مضطربة ، إذ إنها لو تركت بدون تقييد لرمت بالإنسان في واد سحيق من الإفراط أو التفريط .
ومن هذه الغرائز يا عباد الله : غريزة حب المال ، وحب التملك ، وقد خلقها الله وجعلها في الإنسان لتدفعه إلى العمل ، لتدفعه إلى الجد والاجتهاد ، والسعي في مناكب الدنيا ، كي لايكون عالة على غيره ، لأن البطالة مذمومة في الإسلام .
فحب المال فطرة إنسانية ، وجبلة بشرية ، لم ينكرها الإسلام ، ولم يغيرها ، ولم ينبذها ، بل أقرها وأكدها من خلال قسم الله سبحانه وتعالى بالعاديات ( إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه على ذلك لشهيد ، وإنه لحب الخير لشديد ( وقال تعالى: )لايسأم الإنسان من دعاء الخير( أي من طلب المال ، وقال تعالى ( وتحبون المال حبا جما )
فالميل إلى جمع المال وتحصيله خاصة من خواص الطبيعة البشرية، ولكن هذه الخاصة لو تركت بدون تهذيب وتربية ، لانحرفت بالإنسان في مهالك الجمع والإنفاق ، والإنسان إذا لم يهتد بهداية الله في تحصيل المال وإنمائه وإنفاقه وصرفه وتوجيهه واتبع هواه وأخلد إلى غريزته فإنه يدمر نفسه بنفسه ويدمر الآخرين ، ويفسد دنياه ، ويخسر آخرته ، فتراه يجمع المال دون تورع في حله وحرمته ، يأكل أموال الناس بالباطل ، ويظلم الآخرين باستغلال حاجاتهم ، يسلك طرق الربا ، وينتهج الإبتزاز والسرقة ، ونهب الأموال العامة والخاصة ، ويعمد إلى الغش والرشوة ، ولا تجده يسأل عن حل ولا حرمة ، همه الجمع والتكديس ، أوتجده في صرف المال يشط شططا عجيبا ، إما أن يسرف ويبذر ، وإما أن يشح ويبخل في إنفاق ماله سواء على نفسه أو عياله ، أو ذويه وأسرته ، وربما كان من أغنى الناس ، والفقراء والمساكين ، يلبسون أحسن من ثوبه ، ويركبون أفضل من سيارته ، ويأكلون أزكى من طعامه ، أو ربما استعان بهذا المال على معصية الله ، فيشيع به المنكرات ، أو ينميه في الموبقات ، ويستثمره في بيع المسكرات والمخدرات ، أو يجعله عونا على سفك الدماء المحرمة ، وترويع الأنفس الآمنة ، وتدمير المنشئات والممتلكات العامة والخاصة ، وزعزعة الأمن ، وذلك بدعمه للجهات المشبوهة ، وهذا كله من المحرمات التي حرمها الإسلام قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ومعلوم في الشريعة الإسلامية ، أن للوسائل حكم الغايات ، ولقد أفتى علماؤنا أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة يعاقب عليها الشرع ، سواء توفير الأموال أو جمعها أو المشاركة في ذلك ، وبأي وسيلة كانت ، وسواء كانت أصولا مالية أم غير مالية ، وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة ، فمن فعل ذلك عالما ، فقد ارتكب أمرا محرما ، يستحق عليه العقوبة الشرعية ، وكيف للمسلم أن يرضى أن يكون ماله سببا في سفك الدماء وقتل الأبرياء ،
أيها المسلمون : وإن من العجب ، أن تجد أسباب الرزق الطيبة ، أبوابها مفتوحة ، وطرقها ميسرة ، وسبل الإنفاق المحموده واضحة ، جلاء الشمس في هامة فلكها ، فيقود الشيطان صاحب المال إلى المعاقل المشبوهة ، والإستثمارات المحرمة ، بل إن من هذه المستثمرات السيئة ، والمتاجرات المنكرة ، ما يعبث بسلوك الفرد والمجتمع ، وينموا على هدم الحياء ، وقتل الفضيلة ،
جمع المال وصرفه أيها المسلمون : إذا تم بهداية الله وعرف الإنسان كيف يجمع المال من حله ، وكيف ينميه ، وكيف ينفقه فيما يرضي ربه ، وتأنى في طلبه ، حصل على سمعة طيبة ومكانة فاضلة في الدنيا ، ومقام كريم في الآخرة ، أما إذا أصبح الإنسان لحوحا في السؤال عن المال ، وشرها في طلبه ، فهذه الصفات تجعل الإنسان غير متزن ، بل تجعله مضيعاً للآخرة بسبب الدنيا ، ولن يحصل منها إلا ماقسمه الله له.
إن غريزة حب المال إذا لم تهذب تجعل الإنسان مضطرباً في الاتجاهين ، في حال فقره وغناه .
بحيث إذا أصابه الفقر اهتزت نفسه واندفعت إلى اليأس والقنوط وربما إلى المذلة ثم الهلاك ، يقول تعالى عن الإنسان: (وإن مسه الشر فيؤوس قنوط) ويقول تعالى (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ).
وإذا أصابه الغنى اهتزت نفسه بالشر والطغيان ، يقول جل ذكره: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
هذه الإضطرابات في طبيعة الإنسان ، وهذه الاهتزازات في نفسيته ، جاءت رسالة الإسلام لتحفظ على الإنسان توازنه ، وترفع عن بصره وبصيرته غشاوة الفتنة بالمال إذا اغتنى ، وتبعد عنه الندم والأسى إذا افتقر ،
فأول ركيزة في هذا التوازن أن جاءت رسالة الإسلام وأعلنت للمؤمنين جميعاً وللناس كلهم ، أن المال مملوك لله ، وأن يد البشر على المال يدُ استخلاف وتفويض ، يد انتفاع وليست يد تملك ، فلو كانت يد تملك لما حوسب على ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه . فالإنسان لايملك شيئاً لنفسه ، يقول تعالى ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)
وثاني هذه الركائز في التوازن أن المال إنما هو وسيلة في الحياة وليس بغاية ، فهو سبيل وليس بهدف ، وأن المقصود منه هو الاستعانة به على طلب الاخرة ، وليس الوقوف عنده ، لأن الله تعالى يقول: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ).
إن عدداً غير قليل من الناس استهوتهم الدنيا، وحازت الأموال على قلوبهم ، وحسبوا أنهم إن أشبعوا غريزة حب المال سعدوا في دنياهم دون أن يتعرفوا على حقيقة هذا المال ، ولكن هؤلاء عاقبتهم وخيمة وعقوبتهم شديدة
ولقد حدثنا القرآن الكريم عن أمثال هؤلاء وما أعد الله لهم من العذاب الأليم فقال سبحانه ( ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك مالحطمة نار الله الموقدة ) هذا هو مصير من ركن إلى الدنيا واغتر بماله ، وظن أن المال سيمد في عمره ، وسيبقيه ، وليس بمسئول عنه يوم القيامة ، والله أيها الناس ، إننا لمسؤولون عن هذه الأموال ، نسأل الله لنا ولكم السلامة يوم القيامة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر ، كلا سوف تعلمون , ثم كلا سوف تعلمون ، كلا لو تعلمون علم اليقين ، لترون الجحيم ، ثم لترونها عين اليقين ، ثم لتسألن يوئذ عن النعيم ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الثانية

أما بعد ايها المسلمون : فاتقوا الله واعلموا أن المال الذي بين أيديكم هو مال الله ، وأن الله أعطاكم إياه لتبتغوا به الدار الآخرة ، وإذا علمنا أن المال وسيلة وسبيل ، وليس هدفاً وغاية ، إذا علمنا هذا قولاً وعملاً ، ولفظاً وسلوكاً ، هانت علينا كل مصائب الدنيا لأن معظم مايصيب الإنسان في هذه الدنيا إنما هو بسبب المال وتعلقه به ، وحرصه عليه ، وأكثر الخصومات والعداوات وقضايا المحاكم الشرعية وجرائم الإنسانية ، يقبع المال وحب المال خلفها ، فإذا علمنا أيها المسلمون حقيقة هذا المال تجاوزنا كل الصعوبات مهما كبرت ، وتخطينا كل المحن مهما عظمت وتفاقمت .
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يوماً أن ترد الودائع
المال نعمة إن أحسنت استخدامه ، وجمعته من طريق الحل وصرفته في طرق الخير ، ونقمة إن أسأت استعماله ، وجمعته من محارمه ، وصرفته في طريق الهوى والشيطان ، وأما مقياس الإحسان والإساءة في المال وغير المال إنما هو الشرع المطهر ،
أيها الناس : إذا اعتقد الإنسان أن المال الذي حصله أو يحصله ويسعى إلى اقتنائه إنما هو مملوك لله ، وأن يده عليه يد عارية ، فقلما يغتر بكثرته ، ويطغى بنفوذه ، وقلما يحزن لفقده فضلاً عن أن ييأس ويهلع إذا ذهب من يده ، نسأل الله أن يرزقنا المال من حله ويوفقنا إلى صرفه في مسالك الخير ومجاري الإحسان ، ونسأل الله أن يصرف عنا المال المحرم ويصرفنا عنه ، وأن يجعلنا ممن يتعاونون على البر والتقوى ، والخير والإحسان ، صلو وسلموا ..............