المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع بركان آيسلندا للشيخ محمد صالح المنجد



شام
04-05-2010, 20:43
لحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وبعد :




ففي دويلة صغيرة ، لا تعدو أن تكون جزيرة نائية قي شمال المحيط الأطلسي ، يثور بركان صغير من تحت نهر جليدي ، لينفث موجات من السحب الغبارية ، فيحدث فزعاً عاماً في قارة أوربا بأسرها ، وارتباكاً عالميا للرحلات الدولية.




توقَّفت الطائرات، وأُغلقت المطارات، وعُلقت الرحلات ، فـ (113) مطاراً أوروبيا يغلق أبوابه الجوية أمام الملاحة العالمية ، وأكثر من (63 ) ألف رحلة طيران تلغى ، وخسائر شركات الطيران تصل نحو (250) مليون دولار يومياً... والمتأثرون من الناس فاق عددهم سبعة ملايين مسافر ، تقطعت بهم السبل ، وتحولت صالات المطارات إلى مهاجع للمسافرين ، وبدأت المطارات بتزويدهم بالأسرة والأغطية ... فضلا عن خسائر المصدرين والمستوردين .




لقد غدت أوروبا اليوم شبه معزولة عن العالم الخارجي ، وهي تواجه أكبر تعطل للنقل الجوي في تاريخها ، بل عدها البعض الأسوأ من نوعها في تاريخ الطيران المدني!!




1 ـ فاعتبروا يا أولي الأبصار :




سحابُ غبارِ بركانٍ واحدٍ يصيب قارة كاملة بالذعر والخوف ، ويشل حركتها الجوية ، فكيف لو تفجرت عدة براكين ؟!.




إنه لأمر يستدعى منا التأمل والنظر ، والتفكر والاعتبار ، فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله ، ويقينه بأن كل ما يقع في كونه من خير فهو من فضله ورحمته ، وكل ما يقع فيه من شر فهو بعلمه (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، وله الحكمة في كلِّ ما يقضي ويقدِّر: (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ) .




والمؤمن يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر ، ولا يقتصر اعتبار المؤمن على ما يحدث قريباً منه في الزمان والمكان ، بل هو معتبر بكل ما يبلغه من آيات الله قربت منه أو بعدت عنه زماناً ومكاناً .




2 ـ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً:




فالبراكين والزلازل جند من جند الله يرسلها على من يشاء من عباده في الوقت الذي يشاء على النحو الذي يشاء ، إنذاراً ، ووعيداً وابتلاءً ، وتمحيصاً ، وعقاباً ، ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).




ومن جنود الله هذا الرماد المكون من جزيئات صغيرة من الزجاج والصخور المفتتة التي تهدد محركات الطائرات وهياكلها وتعيق حركتها ... وقد وُصِفَ هذا الرماد بالقاتل ؛ لأن استنشاقه يمزق النسيج الرئوي.




والاقتصار في تعليل ما حدث بأنه مجرد أمر طبعي لا يسير إلا وفق نظم ونواميس كونية ... يدل على غفلة عن مدبر الكون ومسيِّره ، فمن الذي يجريها وفق ذلك النظام ، ويسلطها على من يشاء وفق تقديره وتدبيره !! .




( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).




3 ـ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر:




إن ما حدث آية من آيات الله يرسلها لعباده تذكرة وموعظة للمؤمنين ، وتخويفاً وترهيباً للمعرضين ، فالقلوب المؤمنة تتعظ وتخبت وتنيب لربها، والقلوب الغافلة لا يشغلها سوى الخسائر الاقتصادية ، والمتابعة الإعلامية ، ومراقبة البركان... متناسين رب البركان : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) .




إن من علامة قسوة القلوب وطمسها أن يسمع الناس قوارع الأحداث ، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال ، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم ، عاكفين على اتباع شهواتهم ، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد.




4 ـ المؤمن مرهف الحس حي القلب:




يتأثر بمثل هذه الأحوال المخيفة ، مقتدياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا رأى ريحاً أو غيماً عُرِفَ ذلك في وجهه ، فأقبل وأدبر ، خوفاً من نزول عذاب.




وما ذاك إلا لرؤية غيم ، فكيف بأعمدة من الرماد على ارتفاع (11 ) كيلومترا في الجو !! ..




وكان حاله صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس ـ تلك الآية الكونية ـ من أشد أحوال الخوف والانكسار والتضرع، حتى إنه خرج فزعاً يجر رداءه مستعجلاً يخشى أن تكون الساعة




ومع ذلك فإننا نجد الآن من لا يتأثر ، ولا يخاف ، ولا يتعظ؟!




5 ـ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّعَزِيزٌ:




إن ما حدث شاهد عظيم على قدرة الله جل جلاله ، فقدرته سبحانه فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة.. أرانا عجائب قدرته، ودلائل قوته فيما خلق وقدَّر..




فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).




فقدرة الله لا يحدها شيء : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).




6 ـ عجز بني البشر :




فهذا الإنسان كلما طغى وتكبَّر وتجبَّر في الأرض ، وادعى الوصول لأعلى درجات الكمال والاستغناء عن خالقه ، يبعث الله ما يبين له ضعفه وعجزه وفقره إلى مولاه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) .




فماذا صنعت الدول بأجهزتها وقوتها أمام هذا الجندي من جنود الله ... هل يستطيعون منعه أو إيقافه ؟




إنهم يشاهدون ما يحدث ، ولا يملكون نحوه شيئًا ، مع كل ما وصلوا إليه من علوم وتقنيات!!.




فأين قوتهم وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟




هل دفعت لله أمرًا؟ ، أو منعت عذابًا؟ أو عطَّلت قدراً؟!




في لحظات معدودة ينقلب الأمن خوفاً، وتتحول مكاسب شركات الطيران إلى خسائر قدرت بمئات الملايين، وتقف قارة بأكملها عاجزة أمام هذه الكارثة ، بالرغم مما توصلت إليه من تِقْنِيَّة علمية، ليطلعهم الله عز وجل على مدى ضعفهم ، وقلة حيلتهم ، وليعلموا صدق قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) .




7 ـ أين القوة المادية ؟




لطالما تبجحوا بقوتهم وجبروتهم المادي واغتروا به ... لكن هذا التطور لم يستطع أن يفعل شيئاً أمام سحابة من الدخان ، ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ).




فهم في غرور يهيئ لهم أنهم في أمان ، وفي حماية ، وفي اطمئنان !! .




فلما خُيِّل إليهم أنهم بلغوا شأواً عظيما في مجال صناعة الطيران.. أتاهم البركان على حين غرة؛ فأصاب طيرانهم بالعجز، والخسارة الفادحة (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) .




8 ـ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا:




فأين العلم ، والتقدم ، والتقنية للقضاء على هذه السحابة البركانية .




لقد غدا علماء البيئة وعلم الأرض والأرصاد في حيرة واضطراب : فالبعض يقول إن البركان سيهدأ .... والبعض الآخر يقول سيزداد ، والبعض يقف حائراً ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يسبح على ارتفاع كيلومترات في الجو، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر ، وربما أكثر !!




والبعض يرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد !!




وقد صرح المتخصصون في علم الأرض بمكاتب الأرصاد بقولهم : "نرى إشارات متباينة ، توجد بعض الإشارات التي تدل على أن الثوران سيهدأ ، وأخرى تظهر أنه لا يتراجع ".




9 ـ قصور الحسابات البشرية :




ومع أن لهذه الآيات الكونية أسباباً بمقدور البشر في أحيان كثيرة التنبؤ بها قبل وقوعها.... إلا أن هذه الحوادث تثبت يوماً بعد يوم قصور البشر ، سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات ، أو في التصدي لها.




وإذا وقع قدر الله ، فلا تنفع حينئذ مراكز الدراسات الإستراتيجية, ولا الاحترازية, ولا أجهزة التحكم, ولا مراكز الأبحاث ورصد المعلومات ولا غيرها فـ ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ).




كما اعترف الخبراء أن تأثير السحابة البركانية بهذه الصورة يعد الأول من نوعه (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)..




10 ـ لا ملجأ منه إلا إليه :




إذ ليس للإنسان - مهما عظمت قوته واشتد ذكاؤه - من حيلة أمام هذه الآيات الكونية الكبرى سوى اللجوء إلى الله خالقها ومدبرها ، والانطراح بين يديه ، وإخلاص الدعاء والعبادة له ، ولهذا شرعت الصلاة عند حصول الآيات العظيمة كالكسوف والخسوف (هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ ).




11 ـ سبحان مقلب الأحوال :




فما أسرع ما تتبدل الأحوال, وتتغير الأمور ... إذا أراد الله شيئا قال له كن فيكون ، بلمح البصر، من غير ممانعة ولا منازعة.




مابين غمضة عين وانتباهتها .. يغير الله من حال إلى حـال




فبينا الناس في حياتهم ومعائشهم غادون رائحون ، ودون أي مقدمات يفجؤهم البركان بهذه السحب العظيمة ، ليربك تخطيطاتهم وحساباتهم وتوقعاتهم .




والمؤمن ينتقل من هذا الأمر ليتذكر أمر الساعة: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ، وقال : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).




12 ـ أعاجيب الله في قدره :




فهذه النيران المستعرة يخرجها سبحانه وتعالى من قلب الجليد، ومن تحت نهر جليدي، كما قال رئيس أيسلندا: "ما نشاهده هنا في أيسلندا .. منظر لا يمكنكم أن تروه في مكان آخر من العالم، وهو امتزاج ثورة بركانية وأنهار جليدية" .




فما أعظم قوة الله وما أبهر عجائبه التي يسوقها لتبصير الغافلين، ودعوتهم للتفكير ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ).




يقيم اللّه لعباده من آياته في النفس والكون ما يدل على بديع صنعته، وباهر قدرته، ليتبين لهم الحق، والمخذول من أعرض وتولى .




ومن العجائب أن دولة البركان " أيسلندا" لم تتأثر بما حدث؛ لأن التيارات الهوائية حملت ذرات الغبار البركاني واتجهت به بعيداً عنها ، فتهبط طائراتها وتقلع بلا قلق ودون خوف... فقد قُدِّر لهذا الغبار أن يذهب لمكان محدد !!.




13 ـ النظرة الإلحادية للطبيعة :




فمن جحود البشر لخالقهم ونكرانهم له نسبة كل صغيرة وكبيرة في الكون لقدرة الطبيعة ، فبدلا من الإذعان لقدرة الله فيما حصل ، نجد رئيس دولة البركان يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".




وينسون قدرة الله الذي خلقها وسخرها ، وأن الطبيعة لا حول لها ولا قوة ، بل كل ما يحدث فبإرادته سبحانه ومشيئته ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) .




(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .




14 ـ نار تذكر بنار :




فالصهير الناري البركاني الذي سبب هذا الرماد بلغت درجة حرارته (1200) درجة مئوية ، وأذاب 10% من نهر الجليد، وهذه من نار الدنيا ، فكيف بنار الآخرة ، ولهذا لما ذكر الله نار الدنيا ، قال : (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) تُذَكِّر بالنار الكبرى يوم القيامة ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَارُكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) .




15 ـ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا:




فالسحب البركانية أدت إلى إغلاق المطارات, واحتجاز ملايين المسافرين ، حتى لجأ بعضهم لإرسال استغاثات إلى سفارات دولهم لمساعدتهم في العودة إلى منازلهم..




وكم من مؤتمرات نُظِّمَت ، ولقاءات أعد لها ، وحجوزات تأكدت ، ومواعيد تحددت ... ثم أصحابها اليوم يفترشون مقاعد المطارات (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ).




16 ـ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ،وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.




فهي سنة ربانية... فكلما كثرت المعاصي, والظلم والقتل, وإشاعة الفاحشة؛ كثرت المصائب العامة من الأعاصير المهلكة، والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة، والنقص والآفات في النفوس والزروع والثمار، وغيرها من المصائب التي يخوف الله بها العباد، ويذكرهم بقوته وسطوته، وأنهم إن تركوا أمره لم يبال بهم في أي واد هلكوا، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .




وليست هذه بآخر الكوارث التي ستصيب من أعرض عن منهج الله وطغى وظلم وتجبّر: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .




17 ـ مصائب قوم عند قوم فوائد :




أمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبارات المائية... وزاد الضغط كذلك على الفنادق.




ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا ... وارتفعت أسعار الرحلات عموما...




فسبحان مقسم الأرزاق ، فبينا أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة ، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان !!




18 ـ استحضار نعم الله علينا:




فمن نظر إلى ما أصاب الناس في المطارات، ونومهم على المقاعد ، وقد أرهقهم التعب وأقلقهم الترقب والانتظار، استحضر نعمة الله عليه بالراحة والطمأنينة والأمان.




والمؤمن ينظر للمصائب النازلة بالآخرين، فتهون عليه مصائبه ، ويمتلئ قلبه بحمد الله ، ويلهج لسانه بشكره.




19 ـ مشاهد ومشاهد :




إن هذه البراكين والزلازل تذكرنا بالزلزلة الكبرى، فبركان واحد أحدث ما أحدث من الفزع والكوارث ، فكيف بزلزلة الأرض كلها: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .




والغبار الذي حجب الشمس عن سماء هذه الدول يذكرنا بقوله تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) أي: ذهب ضوءها .




وتناثر أجزاء البركان في الهواء يذكر بقوله:( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أي : تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض .




وتعطل حركة الطيران والمطارات يذكرنا بقوله تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) ، والعشار : هي خيار الإبل والحوامل منها ، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك ، فنبه سبحانه بذلك على تعطل كل ما هو في معناه من كل نفيس من المال ، حيث يأتي الناس ما يذهلهم عنها فيتعطل الانتفاع بها .




وعجز القارة الأوربية بعدتها وعتادها ، وذهولها مما يحدث ، وتساءل الجميع عما يحدث، يذكرنا بعجز الإنسان عند قيام الساعة ، يوم يقف مشدوها مستعظما ما يرى ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا...) أي: أي شيء عرض لها؟




وإن هذه الغيوم المتراكمة التي تملأ الأجواء على ارتفاعات هائلة ... تذكرنا بالدخان الذي يبعثه الله قبل قيام الساعة : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .




وختاماً...




فإن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.. وإن في مراحلِ العمُر ، وتقلّبات الدّهر ، وفجائع الزمان لعِبَرًا ومزدجرًا ومَوعِظة ومُدّكرًا، يحاسِب فيها الحصيف نفسَه، ويراجع مواقفَه، حتى لا يعيشَ في غَمرة ويؤخَذَ على غِرّة.




نسأل الله أن يلطف بإخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل من هذه الآية عبرة يهدي بها أهل الضلال إلى صراطه المستقيم ودينه القويم. إنه سميع مجيب ، لطيف خبير.




والحمد لله رب العالمين،،

ابو ضاري
09-05-2010, 00:49
بارك الله فيك اختنا الفاضله

شام
09-05-2010, 13:23
بارك الله فيك اختنا الفاضله

وفيك أخي الفاضل ابوضاري
حفظك الله ورعاك

الجازي
10-05-2010, 09:54
جزاك الله خير الجزاء غاليتي شام

وجزى الشيخ المنجد عنا خيراً

ابو ضاري
15-05-2010, 03:10
فمع هذه الأحداث ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول هم الجاحدون المنكرون، وهذا رئيس آيسلندا يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".
إن هذا الرئيس شأنه شأن قوم صالح في عدم فهمهم للآية التي أرسلها الله إليهم قال تعالى: ((فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)) الأحقاف: ٢٤ .
فلم يجدوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب الذي قالوا فيه من قبل: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)) الأحقاف: ٢٢ .
فهؤلاء جحدوا كما جحد فرعون وقومه بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي هؤلاء قال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا)) الأعراف46، وقال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِين)) َالأعراف: ١٣٢ – ١٣٣.
قال القرطبي: أما الجراد فرجز وعذاب؛ أي أن إرسال الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كان آيات من الله لهم ليرجعوا إليه سبحانه، فأما من تدبر منهم ذلك فقد تاب وأناب إلى الله، وأما من استمر في عناده؛ فلم ير في هذه الآيات سوى أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفقاً لنواميس معتادة، فقد وقع تحت طائلة العقاب.انتهى.
فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ناسياً أو متناسياً قدرة الله العظيمة، أو متأثراً باللوثة المادية وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء.
إن النُّفوس التي أعرضت عنِ الله تعالى تأبى أن تَتَّخذ هذه الأحداث آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحسب، زاعمةً أن لها أسبابًا مَعروفة، ويقولون كما قال من ساروا على دربهم ممَّن سَبَقَهم ؛ قال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) الأعراف:95.
فَيَعُدُّونَ ذلك حالةً طَبيعيَّةً وليست عقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يجعلُهُم يتمادَون في غيِّهم، ويستمرونَ في عصيانهم.

والقسم الثاني هم المعرضون، كما قال تعالى: ((وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )) يس: ٤٦، وقال تعالى: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)) القمر: ٢.

أما القسم الثالث فهم المؤمنون الذين ينتفعون بهذه الآيات ولايمرون عليها وهم معرضون، قال تعالى في وصف عباد: ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)) الفرقان:73 .

فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله، فقلبه يتأثر بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.

إن قوم يونس عليه السلام فهموا الآية التي أرسلها الله تعالى إليهم، قال تعالى: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) يونس98

قال ابن كثير: أي أنه لا توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وماكان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب. انتهى.
وقال القرطبي: وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة ( أي: سحابة أو غمامة ) وفيها حُمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم؛ أي أنه لولا أن أهل هذه القرية فهموا المقصود من آيات الله، وأيقنوا أن العذاب سيصيبهم، فرجعوا إلى الله، ولم يكابروا، فرفع الله عنهم العذاب.انتهى.

إن سنن الله لاتحابي أحداً من الخلق، سنته بينها سبحانه بقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) الزخرف: ٥٥، أي لما أغضبونا.

فالأمة العاتية المغرورة المستكبرة أمة تعرضت لعقوبة الله، ونازعت الله ما يستحقه من الكبرياء والعظمة، قال تعالى: ((وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)) النجم: ٥٠ –٥٢

قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم وأعظم كفراً بربهم وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم" .

قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الروم: ٩ .
قال ابن كثير: "كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم.
روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه دخل على عائشة هو ورجل، فقال لها الرجل: يا أمّ المؤمنين؛ حدّثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنى، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف؛ غار الله عزّ وجلّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم، قال: يا أمّ المؤمنين: أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابًا وسخطًا على الكافرين. فقال أنس: ما سمعت حديثًا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا أشدّ فرحًا منّي بهذا الحديث.
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)) الأنعام: ٦٥
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك) قال: (( أو من تحت أرجلكم ))، قال: ( أعوذ بوجهك ) قال: (( أو يَلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا أهون أو هذا أيسر).

قال مجاهد ( من فوقكم ) الصيحة والحجارة والريح (أو من تحت أرجلكم ) قال الرجفة والخسف.
قال كعب : إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي؛ فترعد فَرَقاً من الرب عزوجل أن يطلع عليها.
إن مايحدث اليوم في العالم من زلازل وبراكين وفيضانات ونكبات إقتصادية وخسائر مادية سببها الابتعاد عن منهج الله.
لقد عمّ قومَ نوح الطوفان، وأهلكت عاداً الريحُ العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقُلبت على قوم لوط ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود، وأغرق الله فرعون وقومه، وخسف بقارون الأرض، لماذا؟
قال تعالى: ((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) العنكبوت: ٤٠ وقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) الروم41، وقال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) الشورى: ٣٠ .

قال ابن القيم رحمه الله: أذن الله سبحانه لها (للأرض) في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم، كما قال ابن مسعود -وقد وقعت زلزلة بالكوفة- إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه (يعني يطلب منكم الاعتذار)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.(أي أها تزلزلت بسبب الذنوب والمعاصي)

إذا كنت في نعمة فارعها ---- فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله --- فإن الإله سريع النقم

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) الأعلى: ١٤ - 15 وقولوا كما قال آدم وزوجه: ((قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) الأعراف: ٢٣ وقولوا كما قال نوح: ((وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ )) هود: ٤٧، وقولوا كما قال يونس؛ قال تعالى: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) الأنبياء: 78-88

ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوازل يقنت في صلواته ويتضرع إلى الله.

فهل عرفت السبب الحقيقي لهذه الكوارث؟

أما أن تحور القضية على أنها حوادث طبيعية، وأنها غضب الطبيعة وكفى، ويبقى الناس على بعدهم عن خالقهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم، وترتجف الأرض وتلقي بحممها ولا ترتجف القلوب، فهذا وربي أشد من تزلزل الأرض وفوران البراكين.

لقد نعى الله على الكافرين وأصحاب القلوب المريضة أنهم لايعتبرون ولايتذكرون بل يزيدون في غيّهم وفسقهم قال تعالى: ((وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)) الإسراء: ٦٠ وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) الأنعام: ٤٢ – ٤٣

وحكى الله مصارع الأمم التي كفرت نعمَ الله؛ قال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) النحل: ١١٢

وقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ)) سبأ 15-17 .

فالمعاصي ماظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، إنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب.
وهذا لا يعني أن أقواما أو مجتمعات لم يصلها شيء أنها على الاستقامة ، كلا ولكن الله يمهل ولا يهمل، والعقوبات قد تكون زلازل أو براكين أو حروباً أو تدهورات إقتصادية أو انعدام للأمن والأمان أوغير ذلك.

قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) ق:37

شام
17-05-2010, 23:29
جزاك الله خير الجزاء غاليتي شام

وجزى الشيخ المنجد عنا خيراً

واياك اختي الفاضلة الجازي
بارك اله بكِ وحفظكِ ورعاكِ...

شام
17-05-2010, 23:31
فمع هذه الأحداث ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول هم الجاحدون المنكرون، وهذا رئيس آيسلندا يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".
إن هذا الرئيس شأنه شأن قوم صالح في عدم فهمهم للآية التي أرسلها الله إليهم قال تعالى: ((فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)) الأحقاف: ٢٤ .
فلم يجدوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب الذي قالوا فيه من قبل: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)) الأحقاف: ٢٢ .
فهؤلاء جحدوا كما جحد فرعون وقومه بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي هؤلاء قال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا)) الأعراف46، وقال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِين)) َالأعراف: ١٣٢ – ١٣٣.
قال القرطبي: أما الجراد فرجز وعذاب؛ أي أن إرسال الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كان آيات من الله لهم ليرجعوا إليه سبحانه، فأما من تدبر منهم ذلك فقد تاب وأناب إلى الله، وأما من استمر في عناده؛ فلم ير في هذه الآيات سوى أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفقاً لنواميس معتادة، فقد وقع تحت طائلة العقاب.انتهى.
فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ناسياً أو متناسياً قدرة الله العظيمة، أو متأثراً باللوثة المادية وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء.
إن النُّفوس التي أعرضت عنِ الله تعالى تأبى أن تَتَّخذ هذه الأحداث آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحسب، زاعمةً أن لها أسبابًا مَعروفة، ويقولون كما قال من ساروا على دربهم ممَّن سَبَقَهم ؛ قال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) الأعراف:95.
فَيَعُدُّونَ ذلك حالةً طَبيعيَّةً وليست عقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يجعلُهُم يتمادَون في غيِّهم، ويستمرونَ في عصيانهم.

والقسم الثاني هم المعرضون، كما قال تعالى: ((وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )) يس: ٤٦، وقال تعالى: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)) القمر: ٢.

أما القسم الثالث فهم المؤمنون الذين ينتفعون بهذه الآيات ولايمرون عليها وهم معرضون، قال تعالى في وصف عباد: ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)) الفرقان:73 .

فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله، فقلبه يتأثر بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.

إن قوم يونس عليه السلام فهموا الآية التي أرسلها الله تعالى إليهم، قال تعالى: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) يونس98

قال ابن كثير: أي أنه لا توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وماكان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب. انتهى.
وقال القرطبي: وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة ( أي: سحابة أو غمامة ) وفيها حُمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم؛ أي أنه لولا أن أهل هذه القرية فهموا المقصود من آيات الله، وأيقنوا أن العذاب سيصيبهم، فرجعوا إلى الله، ولم يكابروا، فرفع الله عنهم العذاب.انتهى.

إن سنن الله لاتحابي أحداً من الخلق، سنته بينها سبحانه بقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) الزخرف: ٥٥، أي لما أغضبونا.

فالأمة العاتية المغرورة المستكبرة أمة تعرضت لعقوبة الله، ونازعت الله ما يستحقه من الكبرياء والعظمة، قال تعالى: ((وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)) النجم: ٥٠ –٥٢

قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم وأعظم كفراً بربهم وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم" .

قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الروم: ٩ .
قال ابن كثير: "كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم.
روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه دخل على عائشة هو ورجل، فقال لها الرجل: يا أمّ المؤمنين؛ حدّثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنى، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف؛ غار الله عزّ وجلّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم، قال: يا أمّ المؤمنين: أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابًا وسخطًا على الكافرين. فقال أنس: ما سمعت حديثًا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا أشدّ فرحًا منّي بهذا الحديث.
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)) الأنعام: ٦٥
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك) قال: (( أو من تحت أرجلكم ))، قال: ( أعوذ بوجهك ) قال: (( أو يَلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا أهون أو هذا أيسر).

قال مجاهد ( من فوقكم ) الصيحة والحجارة والريح (أو من تحت أرجلكم ) قال الرجفة والخسف.
قال كعب : إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي؛ فترعد فَرَقاً من الرب عزوجل أن يطلع عليها.
إن مايحدث اليوم في العالم من زلازل وبراكين وفيضانات ونكبات إقتصادية وخسائر مادية سببها الابتعاد عن منهج الله.
لقد عمّ قومَ نوح الطوفان، وأهلكت عاداً الريحُ العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقُلبت على قوم لوط ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود، وأغرق الله فرعون وقومه، وخسف بقارون الأرض، لماذا؟
قال تعالى: ((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً جوَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) العنكبوت: ٤٠ وقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) الروم41، وقال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) الشورى: ٣٠ .

قال ابن القيم رحمه الله: أذن الله سبحانه لها (للأرض) في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم، كما قال ابن مسعود -وقد وقعت زلزلة بالكوفة- إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه (يعني يطلب منكم الاعتذار)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.(أي أها تزلزلت بسبب الذنوب والمعاصي)

إذا كنت في نعمة فارعها ---- فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله --- فإن الإله سريع النقم

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) الأعلى: ١٤ - 15 وقولوا كما قال آدم وزوجه: ((قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) الأعراف: ٢٣ وقولوا كما قال نوح: ((وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ )) هود: ٤٧، وقولوا كما قال يونس؛ قال تعالى: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) الأنبياء: 78-88

ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوازل يقنت في صلواته ويتضرع إلى الله.

فهل عرفت السبب الحقيقي لهذه الكوارث؟

أما أن تزا حور القضية على أنها حوادث طبيعية، وأنها غضب الطبيعة وكفى، ويبقى الناس على بعدهم عن خالقهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم، وترتجف الأرض وتلقي بحممها ولا ترتجف القلوب، فهذا وربي أشد من تزلزل الأرض وفوران البراكين.

لقد نعى الله على الكافرين وأصحاب القلوب المريضة أنهم لايعتبرون ولايتذكرون بل يزيدون في غيّهم وفسقهم قال تعالى: ((وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)) الإسراء: ٦٠ وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) الأنعام: ٤٢ – ٤٣

وحكى الله مصارع الأمم التي كفرت نعمَ الله؛ قال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) النحل: ١١٢

وقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ)) سبأ 15-17 .

فالمعاصي ماظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، إنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب.
وهذا لا يعني أن أقواما أو مجتمعات لم يصلها شيء أنها على الاستقامة ، كلا ولكن الله يمهل ولا يهمل، والعقوبات قد تكون زلازل أو براكين أو حروباً أو تدهورات إقتصادية أو انعدام للأمن والأمان أوغير ذلك.

قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) ق:37

جزاك الباري الخير أخي
للاضافة القيمة ..
ونسأله تعالى اللطف بالمسلمين وبلاد المسلمين بكل مكان
دمت بحفظ الله ..

غالب
17-05-2010, 23:45
جزاكِ الله خير اختي شام على هالموضوع